❗الكاتب والمحلل السياسي يحيى دايخ❗ ❗️sadawilaya❗
10 كانون الأول 2025
في ظل التصاعد المستمر للضغوط الأميركية والإسرائيلية، يُعاد تشكيل المشهد السياسي والأمني اللبناني من بوابة استهداف عناصر القوة فيه، وعلى رأسها المقاومة.
لكن ما يجري اليوم يتجاوز محاولات نزع سلاح المقاومة، ليدخل في سياق أوسع هو:
تفكيك هوية لبنان المقاوم، وإعادة إنتاجه كدولة وظيفية ضعيفة تابعة للمحور الأميركي–الإسرائيلي.
وتبرز في هذا السياق مؤشرات تتعلق بدور رئاسة الحكومة، والتواطؤ الداخلي، والضغط على المؤسسة العسكرية، ضمن مسار إذا تحقق قد يُفضي إلى مواجهة مفتوحة.
وفي ضوء المعطيات الميدانية والسياسية والإعلامية، نُقدّم التحليل التالي الذي يتناول التحولات الجارية وضغوطات المرحلة من مختلف الجوانب:
أولاً: طبيعة الضغط الأميركي-الإسرائيلي
الولايات المتحدة لم تُخفِ منذ مدة مشروعها القائم على إعادة هيكلة المعادلة اللبنانية، وتفكيك عناصر القوة فيها (وفي طليعتها المقاومة)، تحت شعارات "الحياد" و"الدولة الواحدة" و"نزع سلاح كل الميليشيات"، بينما تمارس بالمقابل حماية ودعماً مباشراً للإحتلال الإسرائيلي وخروقاته اليومية للسيادة اللبنانية.
فالضغوط الأميركية الأخيرة تُمارس على رئيس الجمهورية، لجهة تحجيم الغطاء الدستوري للمقاومة، وفرض "شراكة مشروطة" مع الجيش تحت المظلة الأميركية.
وبالتالي تواجه المؤسسة العسكرية حملة مزدوجة تتمثل ب: تقليص مواردها، وتحريض سياسي ضد عقيدتها المشتركة مع المقاومة والتي تعتبر أن الجيش الإسرائيلي محتل وعدو.
ثانياً: أدوار اللاعبين الداخليين في تنفيذ هذا المشروع
1. مواقف رئيس الحكومة تتمثل بما لا يدع مجالاً للشك بالانصياع للإملاءات الأميركية بشكل واضح، من خلال تصريحات التي تروّج للتفاوض مع الإحتلال الإسرائيلي، ويغض الطرف عن خروقاته.
كما يتبنى خطابًا تصالحياً مع العدو، ويروّج للتفاوض والتطبيع غير المباشر.
وتصريحاته الأخيرة حول "عدم الانزلاق للتصعيد" تُظهر حالة من إنكار الواقع واعتبار العدو "شريكاً محتملاً في الحلول المستقبلية".
2. الوزراء المحسوبون على قوى 14 آذار سابقاً يعيدون إحياء خطاب تحميل المقاومة مسؤولية التوتر، ويدفعون عبر المدنيين في لجان التهدئة الأمنية الى تعديل صلحياتها، في تجاوز صريح للثوابت الوطنية.
ثالثاً: دلالات المشهد العام
1. الاستهداف لم يعد فقط للمقاومة كقوة عسكرية، بل للمقاومة كنهج وهوية وفكرة ومشروع سياسي ـ اجتماعي.
2. محاولات نزع السلاح تترافق مع:
- تجفيف الموارد المالية والخدماتية.
- استهداف البيئة الحاضنة، إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً.
- تقديم بدائل سياسية تشكّك بشرعية المقاومة وسرديتها.
بالتالي، استهداف المقاومة كهوية، لا فقط كسلاح، من خلال محاولة تجفيف مصادرها المالية، ضرب مؤسساتها الاجتماعية والتربوية - الثقافية، وتحميلها تبعات الانهيار المالي، رغم كونها حجر الزاوية في حماية السيادة، تلك الإستهدافات تصب في مشروع القضاء على المقاومة كفكرة وهوية وإنتماء.
3. المؤسسة العسكرية تُدفع بشدة نحو الاصطدام مع المقاومة في لعبة أميركيةـإسرائيلية خطرة، يتم من خلالها استهداف الجيش اللبناني إما عبر تعقيدات تمويلية، أو دفعه نحو مواجهة مع المقاومة تحت غطاء "الشرعية".
رابعاً: الرسائل الميدانية والسياسية من المقاومة
كلمةالأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، في احتفال "أولي البأس"، أكدت الآتي:
- المقاومة ليست بندقية فقط، بل منظومة متكاملة من (بيئة ومجتمع وثقافة وتضحيات ثم السلاح) وبالتالي هي مشروع وطني متكامل.
- إن نزع السلاح ليس سوى بوابة لنزع الوجود المقاوم برمته.
- وما يُطلب من لبنان ليس التهدئة، بل الاستسلام الكامل تحت عناوين زائفة مثل "الحوار" و"السيادة".
لذا فالمقاومة ماضية في الدفاع عن الأرض والكرامة، وهي مكون أصيل في الدولة، لا عقبة أمامها.
خامساً: سيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة
1. تكثيف وتصاعد الضغط السياسي والمالي والإجتماعي على المقاومة وبيئتها ضمن حرب ناعمة منهجية خارجية وداخلية وظيفية بالوكالة.
3. إحياء مشروع التدويل (بدائل عن قوة اليونيفيل) الذي يفتح الباب لتدخلات أمنية أجنبية، بحجج إنقاذ لبنان.
4. دفع لبنان إلى طاولة مفاوضات غير متكافئة، عبر استخدام معاناة الشعب كوسيلة ابتزاز سياسي.
5. احتمال تفكك المعادلة الوطنية إذا استمرت بعض قوى الداخل في التماهي مع المشروع الأميركي.
6. عملية عسكرية إسرائيلية واسعة أو محدودة إذا فشلت الضغوط السياسية، لمحاولة فرض تسوية تنهي الحالة المقاومة بكل أبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
سادساً: الدلائل والوثائق
1. الخلفية الاستراتيجية للمشروع الأميركي–الإسرائيلي في لبنان هي وثيقة الأمن القومي الأميركي الأخيرة (2022) تؤكد التحوّل نحو "الوكالة الإسرائيلية" في إدارة الأمن الإقليمي، ما يعني إعطاء تل أبيب تفويضًا مفتوحًا في لبنان وسوريا وفلسطين، بدلاً من التدخل المباشر.
2. تصريحات وزير الحرب كاتس ونتنياهو تتحدث عن مهلة زمنية لنزع سلاح حزب الله.
3. الرهان على الداخل اللبناني من خلال رئاسة مجلس الوزراء وبعض الوزراء والشخصيات المحسوبة على ميليشيا القوات و حزب الكتائب لتقويض عناصر قوة لبنان، وتجويف الدولة من عناصر السيادة الحقيقية.
فتصريحات نواف سلام تتماهى بوضوح مع هذه المشاريع، وتؤكد السعي لتفكيك معادلة القوة.
سابعاً: في الإستنتاجات
1. من المؤكد أن المعركة المقبلة قد تتجاوز الدفاع عن الأرض لتصبح دفاعاً عن الهوية والفكرة والحق والسيادة.
2. لبنان يُدفع قسراً نحو خيارين: الخضوع الكامل للإملاءات الأميركية، أو التماسك خلف مقاومته في مشروع وطني شامل.
3. المقاومة ستكون أمام خيار وحيد وهو إعادة صياغة معادلة الردع الداخلية، وليس فقط مع العدو الإسرائيلي، إذا ما استمر الضغط الداخلي.
ثامناً: التوصيات السياسية
1. تعزيز التفاهم الوطني الداخلي حول دور المقاومة كركن في حفظ السيادة، لا كعبء على الدولة.
2. حماية المؤسسة العسكرية من مشاريع التسييس والتفكيك.
3. مواجهة الخطاب التطبيعي من قبل بعض أركان الحكومة بوضوح، وكشف منطلقاته ومموليه.
4. تفعيل الإعلام المقاوم في إبراز البعد الوطني والإنساني لمشروع المقاومة.
الخاتمة:
إن ما يجري في لبنان ليس صراعًا على سلاح، بل على فكرة المقاومة والهوية والسيادة.
والمقاومة بحكم موقعها الشعبي والسياسي وثقافي والإجتماعي والعسكري، تقف اليوم أمام لحظة مفصلية وجودية، لا للدفاع فقط عن الأرض، بل عن حق لبنان في أن يكون دولة حرّة مستقلة، لا قاعدة متقدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
بالتالي نحن أمام مشروع "نزع الفكرة والهوية المقاومة للبنان" تدريجياً.
وعليه إن المقاومة، ومعها جمهورها العريض من كل الطوائف، إنما يخوضون اليوم "معركة وطنية وجودية " بإمتياز لا تتعلق بالسلاح فقط، بل تتعلق بمن يحكم لبنان: الإرادة الحرة أم القرار الأميركي ـ الإسرائيلي؟